responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 10  صفحة : 173
فَقَدْ أَجَابُوا عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: قَالَ الْجُبَّائِيُّ قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْقَوْمَ الَّذِينَ اسْتَثْنَاهُمُ اللَّه تَعَالَى قَوْمٌ مُؤْمِنُونَ لَا كَافِرُونَ، وَعَلَى هَذَا فَمَعْنَى الْآيَةِ: وَلَوْ شَاءَ اللَّه لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ بِتَقْوِيَةِ قُلُوبِهِمْ لِيَدْفَعُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ أَنْ أَقْدَمْتُمْ عَلَى مُقَاتَلَتِهِمْ عَلَى سَبِيلِ الظُّلْمِ. وَالثَّانِي: قَالَ الْكَلْبِيُّ: إِنَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّهُ لَوْ شَاءَ لَفَعَلَ، وَهَذَا لَا يُفِيدُ إِلَّا أَنَّهُ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى/ الظُّلْمِ، وَهَذَا مَذْهَبُنَا إِلَّا أَنَّا نَقُولُ: إِنَّهُ تَعَالَى لَا يَفْعَلُ الظُّلْمَ، وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ شَاءَ ذَلِكَ وَأَرَادَهُ.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: اللَّامُ فِي قَوْلِهِ: فَلَقاتَلُوكُمْ جَوَابٌ «لِلَوْ» عَلَى التَّكْرِيرِ أَوِ الْبَدَلِ، على تأويل ولو شاء اللَّه سلطهم عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّه لَقَاتَلُوكُمْ. قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : وَقُرِئَ فَلَقَتَّلُوكُمْ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ.
ثُمَّ قَالَ: فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ أَيْ فَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ، أَيِ الِانْقِيَادَ وَالِاسْتِسْلَامَ، وَقُرِئَ بِسُكُونِ اللَّامِ مَعَ فَتْحِ السِّينِ فَما جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا فَمَا أَذِنَ لَكُمْ فِي أَخْذِهِمْ وَقَتْلِهِمْ. وَاخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ، وَهِيَ قَوْلُهُ: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ [التَّوْبَةِ: 5] وَقَالَ قَوْمٌ:
إِنَّهَا غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ، أَمَّا الَّذِينَ حَمَلُوا الِاسْتِثْنَاءَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَذَلِكَ ظَاهِرٌ عَلَى قَوْلِهِمْ، وَأَمَّا الَّذِينَ حَمَلُوا الِاسْتِثْنَاءَ عَلَى الْكَافِرِينَ فَقَالَ الْأَصَمُّ: إِذَا حَمَلْنَا الْآيَةَ عَلَى الْمُعَاهَدِ فَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إِنَّهَا منسوخة ثم قال تعالى:

[سورة النساء (4) : آية 91]
سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيها فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولئِكُمْ جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً (91)
قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: هُمْ قَوْمٌ مِنْ أَسَدٍ وَغَطَفَانَ، كَانُوا إِذَا أَتَوُا الْمَدِينَةَ أَسْلَمُوا وَعَاهَدُوا، وَغَرَضُهُمْ أَنْ يَأْمَنُوا الْمُسْلِمِينَ، فَإِذَا رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ كَفَرُوا وَنَكَثُوا عُهُودَهُمْ كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ كُلَّمَا دَعَاهُمْ قَوْمُهُمْ إِلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ أُرْكِسُوا فِيها أَيْ رُدُّوا مَغْلُوبِينَ مَنْكُوسِينَ فِيهَا، وَهَذَا اسْتِعَارَةٌ لِشِدَّةِ إِصْرَارِهِمْ عَلَى الْكُفْرِ وَعَدَاوَةِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ مَنْ وَقَعَ فِي شَيْءٍ مَنْكُوسًا يَتَعَذَّرُ خُرُوجُهُ مِنْهُ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ.
وَالْمَعْنَى: فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوا قِتَالَكُمْ وَلَمْ يَطْلُبُوا الصُّلْحَ مِنْكُمْ وَلَمْ يَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ/ ثَقِفْتُمُوهُمْ. قَالَ الْأَكْثَرُونَ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ إِذَا اعْتَزَلُوا قِتَالَنَا وَطَلَبُوا الصُّلْحَ مِنَّا وَكَفُّوا أَيْدِيَهُمْ عَنْ إِيذَائِنَا لَمْ يَجُزْ لَنَا قِتَالُهُمْ وَلَا قَتْلُهُمْ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: لَا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ [الْمُمْتَحَنَةِ: 8] وَقَوْلُهُ: وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ [الْبَقَرَةِ: 190] فَخَصَّ الْأَمْرَ بِالْقِتَالِ لِمَنْ يُقَاتِلُنَا دُونَ مَنْ لَمْ يُقَاتِلْنَا. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُعَلَّقَ بِكَلِمَةِ «إِنْ» عَلَى الشَّرْطِ عَدَمٌ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ، وَقَدْ شَرَحْنَا الْحَالَ فِيهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ [النِّسَاءِ: 31] .
ثُمَّ قَالَ: وَأُولئِكُمْ جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً.
وَفِي السُّلْطَانِ الْمُبِينِ وَجْهَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ ظَهَرَ عَلَى جَوَازِ قَتْلِ هَؤُلَاءِ حُجَّةٌ وَاضِحَةٌ ظَاهِرَةٌ، وَهِيَ ظُهُورُ

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 10  صفحة : 173
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست